ارتفاع أسعار العقارات مع ارتفاع أسعار مواد البناء
تواصل أسعار مواد البناء ارتفاعها في السوقين السوداء والرسمية في مناطق سيطرة حكومة دمشق. ويتسبب ذلك بارتفاع متواصل في أسعار سوق العقارات، ما يقلل الطلب ويدفع السوق إلى الجمود. ارتفاع أسعار مواد البناء يرتبط بشكل أساسي، بتراجع قيمة صرف الليرة وارتفاع أسعار الطاقة. وتخضع أسعار مواد البناء لسياسة تسعير رسمية حكومية، خاصة وأن جزءاً كبيراً من الإنتاج يتم قبل مؤسسات وشركات القطاع العام، والتي تتحكم أيضاً بالتسويق والتوزيع.
وفي ظاهرة مرادفة للجمود باتت أسعار بعض الوحدات السكنية المعروضة للبيع أدنى من كلفة البناء الحالية، على الأقل في مدينة دمشق، بحسب مصادر سيريا ريبورت. وتقريباً يمكن تحديد تكلفة بناء المتر المربع على العظم ما بين 700 ألف إلى مليون ليرة، وتختلف بحسب الموقع. في حين أن تكلفة الإكساء للمتر المربع أصبحت تبدأ بـ500 ألف ليرة بالحد الأدنى.
وكانت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك قد أصدرت في 4 أكتوبر القرار رقم 3219 برفع سعر طن الاسمنت الذي تنتجه المؤسسة العامة للإسمنت ومواد البناء، من 700 ألف إلى مليون و760 ألف ليرة، في أرض المعمل (ما يعادل 150 دولاراً بسعر الصرف الرسمي و129 دولار بسعر السوداء). واستند قرار الوزارة إلى توصية اتخذتها لجنة اقتصادية تابعة لمجلس الوزراء، في جلستها رقم 50 المنعقدة في 2 أكتوبر. وأوضحت الوزارة أن رفع سعر الاسمنت يأتي نتيجة رفع وزارة النفط مؤخراً سعر الفيول الذي يُشكّلُ وموارد الطاقة الأخرى، حوالي 70% من مدخلات الإنتاج في تصنيع مادة الاسمنت.
وكانت وزارة التجارة الداخلية قد رفعت سعر طن الإسمنت عدة مرات خلال السنوات الماضية، بشكل متكرر ودوري؛ من 125 ألف ليرة بموجب القرار رقم 2603 في العام 2020، إلى 175 ألف ليرة بموجب القرار رقم 1115 لعام 2021، إلى 400 ألف ليرة بموجب القرار رقم 1260 لعام 2022، إلى 700 ألف ليرة بموجب القرار رقم 1677 في حزيران 2023.
مراسل سيريا ريبورت في دمشق أشار إلى أن سعر طن الاسمنت في السوق السوداء ارتفع إلى 4 ملايين ليرة، بعد قرار وزارة التجارة الداخلية رقم 3219. (بعض المصادر قالت بأن سعر طن الاسمنت في السوق السوداء بحدود 2.8 مليون ليرة، ومع ذلك يظل أعلى بكثير من السعر الرسمي). والملفت أن الأسعار في السوق السوداء أعلى من السوق النظامية، ويعود ذلك إلى احتكار القطاع العام لتوزيع الاسمنت في سوريا، وإلى حد أقل احتكار انتاجه.
وتتولى المؤسسة العامة للتجارة الداخلية للمعادن ومواد البناء “عمران” التابعة لوزارة التجارة الداخلية، تسويق مواد البناء التي ينتجها القطاع العام، في السوق النظامية المحلية، ومن ذلك الاسمنت والحديد والأخشاب والدهانات والسيراميك. وتم إحداث عمران بالمرسوم رقم 163 لعام 1970، وتكاد تحتكر عمران منذ تأسيسها سوق الأسمنت، رغم وجود منتجين من القطاع الخاص دخلوا السوق بعد العام 2000. إذ تقوم عمران بالفرض على المنتجين الخاصين للإسمنت، ببيعها حصرياً إنتاجهم خلال مواسم معينة، وتقتطع نسبة تصل إلى 10% كعمولة على قيمة المبيعات. في مواسم أخرى تمتنع عمران عن الاستجرار من القطاع الخاص، ما يتسبب بتكدس الإنتاج لديهم وسط صعوبة تسويقه محلياً.
وعمران معنيّة في المقام الأول بتأمين الإسمنت للمشاريع التي تنفذها شركات القطاع العام. إلا أنها تزود أيضاً المقاولين والمواطنين بكميات محددة من مواد البناء، بموجب جداول الكميات المتضمنة في رخص البناء الرسمية التي يحوزونها. وتمتنع الشركة عن بيع الإسمنت خارج هذه الشروط، تحت طائلة المصادرة والمحاسبة القانونية. ولا يمكن بيع أي كيس إسمنت إلا بوثيقة رسمية، لمن لديه رخصة بناء أصلية أو تجديد للرخصة، أو لمن لديه رخصة ترميم، إضافة إلى الحرفيين بموجب قسائم شهرية صادرة عن الجمعية الحرفية.
ارتفاع سعر الأسمنت الأخير انعكس مباشرة على أسعار بقية مواد البناء. ووصل سعر البلوك الهوردي إلى 4300 للبلوكة الواحدة، بينما كان سعرها في العام الماضي بحدود ألف ليرة. ويؤثر ارتفاع سعر الأسمنت أيضاً على مجمل تكاليف أعمال البناء كالإكساء، والطينة، والبلاط والسيراميك وتلبيس الحجر.
كما تهيمن أيضاً مؤسسة عمران على توزيع حديد البناء الذي تنتجه شركات القطاع العام، إلا أن وجود شركات خاصة منتجة للحديد يملكها رجال أعمال بارزين مثل ايمن جابر، ومحمد حمشو، وسامر الفوز، المقربين من مسؤولين رفيعين في قيادة النظام الأمنية والعسكرية، تخفف من احتكار المؤسسة للسوق، وتتيح نوعاً من التنافس بين المنتجين. وكان سعر حديد البناء قد ارتفع من 4 مليون ليرة للطن الواحد في العام 2022 إلى 12 مليون ليرة حالياً.
كما يُشكّلُ الرمل والبحص مواداً أساسية في عملية البناء، وقد شهدتا ارتفاعات كبيرة في الأسعار، رغم أن جزءاً كبيراً منها تأتي من مقالع ومكبات للأنقاض التي يديرها رجال أعمال بارزين مرتبطين بالفرقة الرابعة. وكان المتر المكعب للرمل قد ارتفع من 45 ألف ليرة في العام 2022 إلى 225 ألف ليرة حالياً، فيما ارتفع سعر متر البحص من 55 ألف ليرة إلى 200 ألف ليرة حالياً.