إعادة تأهيل سوق اللحوم المركزي بدمشق تُهدد حقوق أصحاب المحال
في 15 شباط 2022، دعت محافظة دمشق، شاغلي المحال في سوق اللحوم المركزي بالزبلطاني إلى مراجعة مديرية شؤون الأملاك التابعة للمحافظة، خلال مدة شهر من تاريخه، وتقديم ثبوتياتهم (وثائقهم الشخصية وعقود الإيجار الخاصة بهم). واعتبرت المحافظة أن عدم مراجعة مديرية شؤون الأملاك، سيعتبر بمثابة تخل من أصحاب المحال عن عقود الإيجار أو الاستثمار.
وقال عضو مكتب تنفيذي في المحافظة لوكالة سانا الرسمية، أن المحافظة تواصل تأهيل وصيانة البنى التحتية بسوق اللحوم بالزبلطاني، ورحّلت منه أكثر من 25 ألف متر مكعب من الأتربة والأنقاض. وأشار إلى أن المحافظة تقدم جميع التسهيلات لشاغلي المحال للبدء بترميم محالهم لوضع السوق بالخدمة بأسرع وقت.
وسوق اللحوم المركزي هو جزء من سوق الهال “سوق الخضار والفواكه” في مدينة دمشق، ويتألف من ثلاث كتل من الهنغارات الطويلة، كل منها مخصصة لبيع نوع من اللحوم. وضمن هذه الهنغارات 138 محلاً تجارياً، منها 85 محلاً مؤجراً وفق عقود إيجار دائمة، و53 محلاً مؤجراً عن طريق الاستثمار لمدة محددة.
وعقود التأجير الدائمة “الفروغ”، هي عقود غير محددة المدة، موقعة ما قبل صدور قانون الإيجار رقم 10 لعام 2006، وتخضع لنظام التمديد الحكمي. والتمديد الحكمي، هو تمديد عقد الإيجار حكماً، بغض النظر عن رغبة وإرادة المؤجّر، وهو محافظة دمشق في حالة سوق الهال بدمشق.
ووفق نظام الفروغ، يدفع مُستأجر المحل قيمة الإيجار إلى محافظة دمشق، وغالباً ما تكون مبلغاً بسيطاً غير قابل للزيادة. في حين يحق للمستأجر التنازل عن المحل، بكافة عناصره المادية و المعنوية، إلى مستأجر آخر، مقابل مبلغ يسمى “بدل الفروغ” والذي يُعادُلُ فعلياً السعر الحقيقي للمحل في السوق. ويقوم المستأجر الجديد بدفع ذات قيمة الإيجار المنخفضة للمحافظة.
أما نظام التأجير بالاستثمار، فهو عقد تأجير محدد المدة، تمنحه المحافظة بعد إجراء مزاد علني للمستثمر الذي يدفع أعلى قيمة إيجار شهرية. وينطبق ذلك على أن العقود الموقعة وفق قانون الايجار 10\2006، والتي تخضع لارادة المتعاقدين وهي محددة المدة وقابلة للفسخ.
وتم تأسيس سوق الهال في الزبلطاني بمدينة دمشق في العام 1987، وألحق به سوق اللحوم في العام 1999 من جهة حي جوبر الدمشقي. والأرض التي أقيم عليها السوق في الزبلطاني هي مستملكة لصالح الدولة من الأملاك الخاصة لأهالي جوبر ودمشق. قبل ذلك كانت أسواق اللحوم عبارة عن تجمعات صغيرة في مناطق مختلفة من مدينة دمشق. وأغلب تجار سوق اللحوم المركزي هم من مدينة دوما، ومن حيي الشاغور والميدان الدمشقيين. ومن أشهر محال سوق اللحوم المركزي: ملحمة الهيثم، ملحمة الشالط، ملحمة باكير، ملحمة العجمي.
في تشرين الأول 2014، نفذت قوات المعارضة في الغوطة الشرقية من جهة جوبر، هجوماً على ثكنة مَشَارقَة العسكرية القريبة من سوق اللحوم المركزي، وسيطرت على مواقع فيه قبل أن تنسحب منه لاحقاً. بعد ذلك، حولت قوات النظام سوق اللحوم المركزي إلى منطقة عسكرية، تخوفاً من هجوم جديد للمعارضة. وأدى ذلك إلى انتقال أصحاب المحال للعمل في أسواق مدينة دمشق، ومنهم من سافر خارج سوريا.
وبعد أن استعادت قوات النظام السيطرة على الغوطة الشرقية، في العام 2018، قام بعض التجار بافتتاح محالهم في سوق اللحوم بشكل فردي. إذ لم تتحمل محافظة دمشق تكاليف إعادة التأهيل للسوق، بما في ذلك إعادة تهيئة البنى التحتية من ماء وكهرباء وترحيل الأنقاض والقمامة. وتسبب ذلك في تراكم مخلفات اللحوم داخل السوق وعلى أطرافه وانتشار روائح كريهة. وهدد ذلك بحدوث كارثة صحية، وسط الحديث عن ظاهرة بيع اللحوم الفاسدة والمغشوشة.
مصدر حقوقي مطلع قال لمراسل سيريا ريبورت في المنطقة، إن طلب محافظة دمشق من تجار سوق اللحوم مراجعة دائرة الأملاك فيها وتقديم وثائقهم الشخصية وعقود الإيجار، بقدر ما هو إجراء إداري وتنظيمي، فإن خلفه سبب أمني؛ إذ أن بعض تجار السوق من المحسوبين على المعارضة، ومنهم من تم تهجيره إلى الشمال السوري، ومنهم من بات لاجئاً خارج سوريا. وفعلياً، بقيت محال أولئك التجار باسمائهم وفق عقود “الفروغ”.
واعتبر المصدر أن مهلة الشهر الواحد لمراجعة مديرية شؤون الأملاك في محافظة دمشق، تعني أن هؤلاء التجار سيفقدون حقوقهم في محالهم وسيتم اعتبارهم بحكم المتخلين عن العقود، وفق ما جاء في إعلان المحافظة.
وأضاف المصدر بأن محافظة دمشق، قد عممت مؤخراً طلب الوثائق الثبوتية لجميع تجار سوق الهال أيضاً.
وتخضع كامل منطقة الزبلطاني لسيطرة شعبة المخابرات الجوية، والتي تتابع سوق اللحوم المركزي عبر مفرزة لها ضمن السوق. كما توجد في الزبلطاني بعض الحواجز التابعة لأجهزة أمنية أخرى، ومن أشهرها الحاجز القريب من مدخل سوق الهال المعروف باسم “حاجز المليون” نسبة للاتاوات التي يفرضها على بضائع التجار.
من جانب آخر، يبدو بأن دافعاً اقتصادياً يقف أيضاً خلف إعادة تأهيل سوق اللحوم المركزي. إذ نقلت وسائل إعلام رسمية عن عضو في مجلس المحافظة، بأن تهيئة السوق تؤدي إلى خفض التكاليف على التاجر، وبالتالي تخفيض أسعار اللحوم على المستهلك. إذ يشتري تجار سوق اللحوم المركزي بضائعهم من المسالخ الحكومية، ويبيعونها بسعر أقل من سعر محال التجزئة. كما تساعد عملية تأهيل السوق على زيادة الرقابة على بيع اللحوم الفاسدة.