إدلب ضحية البناء العشوائي
في إدلب، انهار بفعل زلزال 6 شباط 2023، 819 مبنى كلياً، و5890 مبنى جزئياً، ما تسبب بمقتل 2114 شخص، بحسب إحصاء صادر في 23 شباط، عن لجنة الاستجابة الطارئة التي شكلتها حكومة الإنقاذ. نستعرض في هذا المقال، أسباب انهيار الأبنية السكنية في مدينتي سلقين وحارم وقرية بسنيا، والتي ساد فيها نمط متماثل من التوسع العمراني العشوائي خلال السنوات الماضية لتلبية الحاجة الكبيرة للسكن من النازحين والمهجرين قسرياً إليها.
سلقين
انهار في مدينة سلقين شمال غربي إدلب، خلال زلزال 6 شباط 2023، 33 بناء بشكل كلي، و60 بناء بشكل جزئي. وتسبب ذلك بمقتل أكثر من 500 شخص، منهم حوالي 400 من أبناء المدينة، والباقي من النازحين إليها، وفق إحصائيات لجنة الاستجابة الطارئة التابعة لحكومة الإنقاذ.
ويعود ذلك إلى الاكتظاظ السكاني الكبير في المدينة، بسبب موجات النزوح الكبيرة إليها خاصة ما بين العامين 2018-2020. إذ أن سلقين ملاصقة للحدود السورية-التركية، وبالتالي لم يستهدفها الطيران الحربي الروسي ولا ذلك التابع لقوات النظام، ما شكل ملجأ آمناً للنازحين. وقد بلغ عدد سكان المدينة حوالي 200 ألف نسمة نهاية العام 2022، التي كان عدد سكانها في العام 2004 حوالي 75 ألفاً.
مدينة سلقين تقع في منطقة ذات طبيعة جبلية صخرية ومعظم بيوتها القديمة التي يعود بناؤها إلى ما قبل العام 2011 لم تتعرض لأضرار تذكر. في حين تركزت الأضرار في التوسعات العشوائية الجديدة حول البلدة، التي لم تراع معايير السلامة الإنشائية، خاصة لجهة التأسيس الجيد، والزيادة غير المدروسة لأحمال الطوابق الإضافية. إذ شهدت سلقين نشاطاً عمرانياً عشوائياً كبيراً في استجابة للطلب المتزايد على السكن فيها من قبل النازحين إلى مناطق المعارضة. معظم الأبنية المنهارة جزئياً أو كلياً، كانت حديثة البناء، من 4 طوابق على الأقل، وجميعها غير مرخصة. وقد تركزت الأضرار في أحياء القصور والسليخة، ومقابل المدرسة الريفية، وفي ساحة سعدون، التي باتت منكوبة وغير مأهولة.
في ريف سلقين، طالت الأضرار 25 بلدة وقرية، ومنها بلدة الحمزية التي انهار فيها 50 منزلاً، و40 منزلاً في بلدة تلول، و14 منزلاً في قرية عزمارين. وهذه القرى تقع بمحاذاة نهر العاصي، والتربة فيها رخوة.
أغلب الناجين والهاربين من بيوتهم المتصدعة انتقلوا إلى 17 مركز إيواء في سلقين ومحيطها، وأغلبها مساجد ومخيمات. بينما انتقل قسم لعند أقاربهم في المخيمات القريبة.
حارم
حارم مدينة في ريف إدلب الشمالي الغربي، تقع في منطقة جبلية صخرية. وقد بلغ عدد سكانها أكثر من 70 ألف نسمة نهاية العام 2022 بحسب تقديرات أهلية، بعدما كان في العام 2004 حوالي 12 ألف نسمة. إذ شهدت المدينة موجات نزوح كبيرة إليها خلال السنوات الماضية، ما تسبب بحركة بناء عشوائي كبيرة فيها على شكل أحياء جديدة شمالي المدينة. وقد تعرضت تلك الأحياء لدمار كبير، في زلزال 6 شباط 2023، خاصة حيي كرم المارد والقشا. المجلس المحلي في حارم، أحصى انهيار 35 بناء بشكل كامل، وتصدع 360 بناء، ما تسبب بمقتل حوالي 500 شخص.
أكثر من 100 شخص قتلوا في انهيار مبنى ضخم في حارم يسمى بـ”الباخرة”. والمبنى غير مرخص، أقيم في العام 2018 على أرض خاصة اشتراها متعهد بناء. المبنى كان مؤلفاً من 6 طوابق، وفي كل طابق منها أربع شقق باعها المتعهد لأطباء وعاملين في مجال الصحة، وموظفين في بعض المنظمات غير الحكومية. الباخرة تميزت بموقعها المرتفع المطل على سهل العمق.
الناجون من الزلزال في حارم، انتقلوا للسكن في ما تبقى من منازل سليمة في المدينة، وأيضاً توجهت 400 أسرة إلى 4 مراكز إيواء في المدينة ومحيطها.
مشروع بسنيا الاستثماري
تقع بلدة بسنيا غربي مدينة حارم، وإلى الشمال الشرقي منها أقيم ضاحية سكنية جديدة حديثة. والضاحية هي مشروع سكني استثماري معروفة باسم “مشروع البطل السكني” وكانت مكونةً من 20 بناء سكني كل منها مؤلف من 5 طوابق. الضاحية، باستثناء مبنى واحد فيها، انهارت بشكل كلي فوق رؤوس ساكنيها، ما تسبب بمقتل 200 شخص، بحسب احصائيات لجنة الاستجابة الطارئة. البناء الوحيد الذي لم يسقط كلياً انهار جزئياً وبات أيلاً للسقوط، وقامت فرق هندسية تابعة للدفاع المدني السوري “الخوذ البيضاء” بهدمه عبر تفجير قواعده.
وبدأ بناء ضاحية بسنيا في العام 2017، على أرض زراعية خاصة، بالتشارك بين ثلاثة مستثمرين، من دون الحصول على أي ترخيص من قبل أي سلطة بلدية أو هندسية. وقد قُتل اثنان من المستثمرين بانهيار الضاحية خلال الزلزال. وبلغ سعر الشقة الواحدة المكسيّة والجاهزة للسكن بمساحة 100 متر مربع، 4 آلاف دولار. أي أن سعر المتر المربع الواحد المكسي بلغت 40 دولاراً. ولذلك، فالمشروع كان يعتبر رخيصاً، لأن تكلفة البناء في نفس المنطقة، في تلك المرحلة، كانت تتجاوز 55 دولاراً للمتر المربع الواحد على العظم. ويبدو بأن السعر المنخفض في المشروع كان يخفي خلفه مشاكل تتعلق بنوعية مواد البناء وكمياتها.
وكانت فرق الدفاع المدني، بحسب مراسل سيريا ريبورت، قد واجهت مشكلة أثناء أعمال الإنقاذ بعد الزلزال في المشروع، بسبب هشاشة أسقفه وأعمدته وجدران القص فيه. إذ أن تكسير الخرسانة الصلبة إلى قطع كبيرة يمكن إزالتها، يكون أسهل وأسرع للوصول إلى العالقين تحت الأنقاض، في حين تتحول الجدران الهشة إلى حصى صغيرة عند التكسير ما يعيق عمليات الإنقاذ.
وزارة العدل في حكومة الإنقاذ، شكلت لجنة للتحقيق بأسباب انهيار المشروع، بالتعاون مع فرع إدلب في نقابة المهندسين السوريين، التي أخذت عينات من الخرسانة المسلحة في البناء المنهار لدراستها.