إخلاء قاطني أرض كيوان في العاصمة دمشق لإقامة حديقة
مع بداية شهر آذار الماضي، أنذرت وزارة السياحة بعض القاطنين في أرض كيوان التابعة إدارياً لمنطقة المزة جنوب غربي دمشق، بضرورة الإخلاء خلال مدة 6 أشهر، وذلك بغرض إنشاء حديقة.
أرض كيوان
تمتد أرض كيوان من ساحة الجمارك إلى سفح جبل قاسيون، ومساحتها الكلية تقارب 20 هكتاراً، وسبق أن أقيم فندق شيراتون دمشق على جزء منها في سبعينيات القرن الماضي. الأرض بالأصل كانت تحيط بحي كيوان القديم، الذي نشأ مطلع القرن الماضي، وفيه مساكن عربية قديمة ومسجد وطاحونة أثريان، وكذلك منزل رائد المسرح السوري أبو خليل القباني.
ويبدو أن هناك نزاعاً على أرض كيوان بين محافظة دمشق، ووزارة السياحة. ويعود أول استملاك لأراضٍ في منطقة كيوان إلى العام 1973 بموجب المرسوم 1976، ومن بعده صدر المرسوم رقم 563 لعام 1974 لاستملاك أراضٍ إضافية. مرسوما الاستملاك صدرا لصالح وزارة السياحة. بينما أبقت مديرية التنظيم والتخطيط العمراني في محافظة دمشق توصيف أرض كيوان زراعية، ومنعت البناء عليها، بغرض الحفاظ على الرقعة الخضراء في العاصمة. بالنتيجة، لم تنفذ وزارة السياحة أي مشروع على الأرض، بينما أوقفت المحافظة إصدار رخص البناء في المنطقة، ومنعت ترميم الأبنية القائمة. وتسبب بظهور عشوائية في المنطقة.
في مطلع الألفينات، غيّرت مديرية التنظيم والتخطيط العمراني في محافظة دمشق صفة أرض كيوان من زراعية إلى استثمارية، وعرضتها للاستثمار العقاري. في العام 2005 طرحت وزارة السياحة 15 هكتاراً من أرض كيوان لإقامة مشروع استثماري سياحي-تجاري يضم فنادق وصالات عرض فنية وتراثية ومطاعم. وفي العام 2007 وقّعت الوزارة عقداً استثمارياً للمشروع بصيغة “بي أو تي”؛ البناء والتشغيل والتسليم، مع مجموعة الخرافي الكويتية، لإقامة مجمع سياحي على مساحة 6 هكتارات ضمن أرض كيوان. وبلغت تكلفة المشروع التقديرية 217 مليون دولار، على أن يتم تنفيذه خلال مدة 3 سنوات، وعلى أن تشغله المجموعة وتستثمره لمدة 45 سنة قبل أن تعيده لوزارة السياحة. في العام 2010، أسست مجموعة الخرافي شركة كيوان للاستثمار السياحي، لتنفيذ المشروع، لكن بدء الثورة السورية في العام 2011 تسبب بتوقفه.
حديقة بيئية
ضمن أرض كيوان، كانت وزارة السياحة قد طرحت مشروعاً لإقامة حديقة بيئية منذ العام 2004، لتكون موقعاً تقام فيه فعاليات سياحية وتراثية وثقافية ومعارض فنية، فندق ذو طابع تراثي بيئي، ومسطحات مائية وكافيتريا. وفي العام 2007 أصدرت محافظة دمشق القرار رقم 891، المتضمن تخصيص مساحة قدرها 6 هكتارات من أرض كيوان لإنشاء الحديقة البيئية.
بين العامين 2011-2016، تعاقدت وزارة السياحة مع الجامعة الدولية الخاصة لاستثمار بعض المواقع في أرض كيوان، المخصصة لإقامة الحديقة البيئية. وجرى نزاع قضائي بين الطرفين بسبب إخلال بالعقود، انتهى لصالح الوزارة بإخلاء الجامعة من الموقع.
المجلس الأعلى للسياحة، برئاسة رئيس مجلس الوزراء، أصدر القرار رقم 438 في نوفمبر 2019، لإقامة الحديقة البيئية على مساحة 15 هكتاراً في أرض كيوان، بشكل مشترك مع محافظة دمشق. وتضمن العقد تخصيص 1.5 هكتاراً للاستثمار السياحي وإقامة أنشطة ترفيهية، وكافيتريا مع تراسات، وفندق تراثي. كما تضمن الاتفاق إعادة توزيع ملكية أرض كيوان بين المحافظة والوزارة، بحيث يصبح للمحافظة 13,5 هكتاراً، وتبقى المساحة المتبقية ملكاً لوزارة السياحة. ويفترض بحسب الاتفاق، أن تقوم المحافظة بتخديم الحديقة بالبنية التحتية، بينما تؤمن وزارة السياحة السكن البديل للشاغلين.
وكانت وزارة السياحة قد وقّعت مذكرة تفاهم مع مؤسسة العلوم الاتحادية في جمهورية القرم، تنص على تعزيز التعاون السياحي بين الجانبين في مجال السياحة البيئية والاستفادة من الخبرات التي تمتلكها المؤسسة في مجال إنشاء الحدائق ومواقع سياحة بيئية، بما فيها إعداد مشروع موقع الحديقة البيئية في أرض كيوان، بحسب خبر نشرته وكالة سانا الرسمية في نوفمبر 2022. وكانت روسيا قد احتلت شبه جزيرة القرم من أوكرانيا، في العام 2014، وأقامت فيها جمهورية تابعة لها.
السكن البديل
مطلع أذار الجاري، وجهت وزارة السياحة إنذارات لـ20 قاطناً في أرض كيوان، ضمن المنطقة المنوي إقامة الحديقة البيئية فيها. في 8 آذار 2023، قال وزير السياحة في مقابلة إذاعية، إنه يجب على المنذرين إخلاء مساكنهم، والانتقال إلى مساكنهم البديلة في ضاحية قدسيا في محافظة ريف دمشق. وأوضح الوزير أن وزارة السياحة سبق وتعاقدت مع مؤسسة الإسكان، واشترت منها أبنية سكنية في ضاحية قدسيا، خصصت منها 175 مسكناً للمنذرين بالإخلاء في أرض كيوان والمستحقين للسكن البديل. وقد تم تسليم 90 مسكناً منها حتى تاريخه، وسيتم تسليم الباقي تباعاً. وأضاف الوزير أنه لا يتم انذار أحدهم بالإخلاء قبل تأمين السكن البديل له.
والسكن البديل ليس مجانياً، بل سيدفع مستحقوه ثمنه بسعر التكلفة بأقساط شهرية على مدى 25 عاماً، وفق ما قاله مسؤول سابق في وزارة السياحة في نوفمبر 2019. وقال المسؤول إن تسليم السكن البديل بدأ لمن آلت مساكنهم للسقوط نتيجة قدمها.
وإذا كان واضحاً بحسب التصريحات الرسمية أن 175 عائلة تستحق السكن البديل، فليس واضحاً عدد العقارات المنذرة بالهدم، ولا عدد كامل القاطنين في المنطقة من غير المستحقين للسكن البديل ولا ظروف سكنهم. وفي جميع التصريحات الرسمية لم يذكر أبداً ما هو القانون الذي استندت إليه وزارة السياحة لتأمين السكن البديل لهؤلاء الـ175.