أزمة السكن “الخفية” التي يواجهها السوريون في لبنان مع انهيار الليرة
مع انهيار الاقتصاد اللبناني، تعاني العائلات السورية -والأجانب الآخرون ممّن لا يحملون وثائق- أزمةَ سكن “خفية”. حيث يعجزون عن دفع الإيجارات، ويواجهون في كثير من الأحيان إخلاءات غير قانونية بشكل متكرر.في العام المضي، حين هوت الليرة اللبنانية في دوامة لا نهاية لها؛ وشلّت الجائحة الأعمال التجارية؛ ودمّر انفجار ميناء بيروت العديد من الأحياء، تُركت العائلات السورية اللاجئة وحيدةً في مواجهة أزمة السكن المتفاقمة.وقد تراجعت العملة اللبنانية إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق في الشهر الماضي ما أدى إلى تفاقم المتاعب الاقتصادية، حيث انخفضت إلى نحو 15 ألف ليرة مقابل الدولار في السوق السوداء. ويبقى السعر الرسمي 1500 ليرة لبنانية لكل دولار، مع تداول البنوك عند 3900 ليرة لبنانية.
“العديد من المستأجرين عاجزون عن دفع الإيجارات الآن”، كما تقول نادين بكداش ، ناشطة في مجال حقوق الإسكان ومؤسسة مشاركة لمنصة الأبحاث والمناصرة اللبنانية ستوديو أشغال عامة.
تتزايد عمليات الإخلاء، ويفضل العديد من الملاك إبقاء ممتلكاتهم شاغرة عن تأجيرها في ظل سوق مضطرب. تقول بكداش، مستشهدة ببيانات من ستوديو أشغال عامة ومختبر بيروت الحضري التابع للجامعة الأمريكية في بيروت، إن “نحو 20٪ من الوحدات السكنية في المدينة خالية بسبب التكهنات بعدم الاستقرار”. ومع ذلك، وفيما يتعلق بالعقارات التي لا تزال مؤجرة لمقيمين، يتجه أصحاب العقارات بشكل متزايد نحو ممارسة تدابير تهديدية، مثل زيادة الإيجارات لمواكبة تدهور قيمة الليرة، أو رفض دفع تكاليف الإصلاحات أو إخلاء المستأجرين، وفقاً للبيانات الأخيرة التي جمعتها منصة مراقبة الإسكان التابعة لستوديو أشغال عامة، والتي تجمع شهادات حول عمليات الإخلاء وقضايا الإسكان الأخرى.
ورغم أن العائلات التي تم إخلاؤها تجد عادة مساكن جديدة بعد ذلك، في مبان ذات ظروف معيشية سيئة معظم الأحيان، إلا أن العديد من الناس لا يزالون عاجزين عن تغطية الإيجار، كما تقول بكداش. “نشهد ظاهرة تعرض الناس لإخلاءات متكررة، وهو أمر يرقى إلى مرتبة التشريد. وقد ازدادت هذه الظاهرة في الأشهر الأخيرة، ويجعل غياب تشرد ظاهر ومرئي أزمة السكن هذه خفية إلى حد كبير“. رغم صعوبة تتبع هذه الظاهرة بدقة، أظهرت بيانات الأمم المتحدة لعام 2020 ارتفاعاً حاداً في عمليات الإخلاء. تم إخلاء 2236 سورياً من منازلهم في محافظتي بيروت وجبل لبنان وحدهما في النصف الأول من عام 2020، وفقاً لتقرير للأمم المتحدة. ويشير التقرير إلى أن الأعداد الفعلية لعمليات الإخلاء كانت على الأرجح أعلى من ذلك بكثير، حيث لم يتم الإبلاغ عن العديد منها.
غالباً ما تُترك خيارات قليلة للسوريين المقيمين في لبنان، وكثير منهم يفتقرون إلى أي وثائق أو وضع قانوني. ميسر السليمان، أب سوري في الأربعينيات من عمره، يعيش مع وزوجته وأطفالهما السبعة في شقة في برج حمود، وهي ضاحية منخفضة الدخل خارج بيروت. دُمرت الشقة التي كانوا يعيشون فيها سابقاً في حي الكرنتينا القريب في انفجار الميناء في آب/أغسطس الماضي. السليمان عامل يدفع 600 ألف ليرة إيجاراً شهرياً. كان المبلغ في السابق 450 ألف ليرة لكنه يقول إن مالك العقار زاد الإيجار الشهر الماضي بسبب الانخفاض الحاد في قيمة الليرة. كان من الصعب عليه مواكبة الأمر، وهو مدين أصلاً من الأشهر الماضية. ويقول إنه لا يزال متأخراً عن دفع الإيجار لشهر نيسان/أبريل، ويخشى الإخلاء المحتمل.
وفقاً لبكداش، تعد المشكلة واسعة الانتشار. إذ يرفض العديد من أصحاب العقارات الدفع بالليرة اللبنانية، ويختارون الدولار بدلاً منها. ورغم ذلك، لم تتمكن سوى قلة من الناس، بمن فيهم اللبنانيون، من تحمل هذه الإجراءات بسبب قيام البنوك بوضع حدود للسحب ومنع العملاء من الوصول إلى دولاراتهم نقداً. وشهد أولئك الذين لا يزالون يتقاضون رواتبهم بالليرة فقدان جزء كبير من قيمة دخلهم.
تقول بكداش: “هناك معضلة حول العملة التي يجب دفع الإيجار بها، وبأي سعر صرف. هل تدفع 1500 [لكل دولار أمريكي] أو 4000 أو بسعر السوق؟ يصرح جميع المحامين أنه طالما ظلّ سعر الصرف الرسمي 1500، يجب الدفع بهذا السعر. كما لا يمكن لأصحاب العقارات رفض دفع مستحقاتهم بالليرة“. ومع ذلك، لا تزال السلطات تمتنع عن تطبيق هذه السياسة. تقول بكداش، “يمكن لأصحاب العقارات القول (ادفع لي بالدولار أو اخرج) هذه مشكلة أثّرت على جميع المستأجرين“.
مروان، عامل بناء 41 عاماً، يعيش أيضاً في برج حمود. ورغم أن صاحبة منزل مروان لم تطلب بعد مدفوعات الإيجار بالدولار، إلا أنه لا يزال يشعر بالقلق من احتمال اضطراره لمغادرة شقته في المستقبل القريب. ويعتمد مروان (اسم مستعار) من حمص، الذي يعيش في شقة مع شقيقه وصديق، في الغالب على الأموال من الأصدقاء في الخارج لدفع الإيجار.
ورغم أن إيجاره الشهري يبلغ 750 ألف ليرة، يقول مروان إن صاحبة المنزل هددت برفعه إلى مليون و200 ألف ليرة. لحسن الحظ، لم تطلب دولارات. يقول مروان: “إذا رفعت الإيجار، سأضطر لمغادرة الشقة، لا يمكنني تحمل هذه التكلفة”. ليست لديه خيارات أخرى كثيرة، ببساطة، لا توجد وظائف بناء كافية في الآونة الأخيرة تسمح له بتحمل ارتفاع الإيجار بالإضافة إلى الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية والفواتير.
تقول بكداش إن الحكومة اللبنانية لا تفعل ما يكفي لحماية الناس من عمليات الإخلاء، لا سيما في ظل تفشي الوباء.
وتضيف: “يجب أن تكون هناك لوائح تفرض ضرائب على الشقق الشاغرة وترسي نظام إيجار عادل، مع تطبيق سياسة تمنع الإخلاء أثناء الأزمة”.